منذ انفصال جنوب السودان الغني بالنفط عن السودان في عام 2011 توجه السودان إلى التعدين بشكل مكثف للذهب لتعويض الخسائر الكبيرة في ميزانية الدولة، وأدى ذلك إلى انتشار التعدين التقليدي الغير قانوني وازدهاره في البلاد، خصوصا في ظل معاناة السودانيين من الظروف الاقتصادية الصعبة، ولكن الآثار السلبية الناتجة عن التعدين التقليدي باتت تشكل خطرا حقيقيا على اقتصاد الوطن وعلى صحة المواطن السوداني وبيئته ومحيطه، فقد لوحظ عجز في ميزانية الدولة لهذا العام قدر بـ 3.5 مليار دولار، مقارنة بـ 2.4 مليار دولار العام الماضي، وهذا ناتج إلى ازدياد عمليات تهريب الذهب خارج البلاد والتهرب الضريبي الذي كلف الدولة خسائر باهضة وأدى إلى تدهور الحياة المعيشية للمواطن السوداني.
ولم يقتصر هذا على الخسائر الإقتصادية فحسب، فبالنسبة للمخاطر الصحية التي تمخضت عن انتشار السموم الكيميائية المحرمة دوليا كالزئبق والسيانيد والتي تستعمل في معالجة مخلفات التعدين والتخلص منها بطرق غير قانوينة، فقد شهدت البلاد زيادة كبيرة في حالات الإصابة بسرطان الدماغ والرئة، فضلا عن انتشار أمراض خطيرة ونادرة متعلقة بالجهاز التنفسي والعصبي، كما لوحظت في البلاد زيادة مريعة في حالات الإجهاض والتشوهات الخلقية لدى الأجنة وانتشار حالات العقم لدى الرجال والنساء.
ويجدر بالذكر أن السودان من بين كبرى الدول التي تستخدم الزئبق بكثرة في التعدين الخاص، حيث يبلغ حجم استيراده لهذه المادة الخطيرة من 60 إلى 100 طن سنويًا، وتعتبر الصين وهونج كونج والاتحاد الأوروبي أكبر المصدرين لهذه المادة.
وفيما يخص المخاطر البيئية التي نتجت عن التخلص غير الصحيح لنفايات التعدين العشوائي وانتشار مادة الزئبق في الهواء والماء والتربة، فقد تسبب هذا في جفاف الأشجار وإلحاق الضرر بالأراضي الخصبة وإلحاق أضرار جسيمة بالنباتات والمنتجات الزراعية، فضلا عن موت الأبقار والأغنام وتلوث المحاصيل الزراعية والثروة السمكية بمادة الزئبق والسيانيد ما جعلها تعرض حياة الآلاف من السودانيين للخطر.
وقد طالب المواطنون السلطات مرارا وتكرار بوضع حد لإنتشار هذا النشاط غير القانوني والخطير وتنظيم التخلص من المخلفات وفقًا للطرق العالمية للسلامة البيئية، كما قاموا باحتجاجات متواصلة من خلال إضرابات ومظاهرات لتحقيق هذا، ولكن دون جدوى فالسلطات السودانية تتجاهل مطالبهم وتواصل في غض النظر عن هذه المسألة الخطيرة.