بينما تكاد محنة الإنقلاب تكمل شهرها الخامس نجد أنها تنحدر بالبلاد وبسرعة نحو الهاوية إلي درجة تشكل تهديد وجودي للبلاد، لم يقدم الإنقلابيّون ومن خلفهم إلا مزيدا من التعقيد على كل مستويات الحكم التي استولوا عليها. مع الرفض الشعبي المستمر حاولوا صنع حاضنة سياسية من بقايا النظام الذي ثار عليه الشعب كخطوة على طريق فرض الأمر الواقع فلم يجدوا من الحطام إلا إعادة أعداد من كتائب التمكين إلي مواقعها السابقة في مفاصل الدولة التي نالتها خلال عهد الإنقاذ بحكم الإنتماء والمحسوبية والتي لم تنجح في حماية الإنقاذ من السقوط رغم أنها كانت مدعومة بكامل إمكانيات الدولة حينها على مستوى استباحة المال العام وسطوة جهاز الأمن والسيطرة على الإعلام فكشفت الثورة عن هشاشة تلك المنظومة وعن فسادها.
على المستوى الاقتصادي نجد أن البلاد تسير نحو الإنهيار الإقتصادي في وقت اختفى فيه من كانوا يذرفون الدموع وهم يتباكون على معاش الناس. أما على مستوى الأمن والذي هو صميم اختصاصهم فقد تم اختزاله في التنكيل بالمتظاهرين الرافضين للإنقلاب لترتقي أرواح قرابة التسعين شهيدا وأكثر من ألفي مصاب ولتتحد قوات القمع مع عصابات النهب في مشهد مخجل يحدث في درجة غير مسبوقة من الإنحطاط.
خارجيا على المستوى الإقليمي لا يجد الإنقلابيّون سوي الإرتماء بكل خنوع في أحضان المحاور التي يحسبون انهم سيجدون منها الدعم الإقتصادي والسياسي ولكنهم لم ولن يجدوا سوي الإبتزاز وفرض الأجندات التي لا تراعي مصلحة البلاد فتكون نتيجة المزاد معروفة وهي البيع بأبخس الأثمان كما كانت تفعل الإنقاذ.
مشكلة الدولة السودانية تكمن في أنها لا زالت تنوء بحمولات الموروث السالب للممارسة السياسية السودانية منذ الإستقلال وحتى اليوم والذي ترتبت عليه كل الإشكالات الإقتصادية والإجتماعية ولتنتج كل أزمة أزمات أخرى ويستمر إنتاج الأزمات لنجد أنفسنا الان في دولة تسير نحو الإنهيار الكامل ويغتصب السلطة فيها من لا يملك أي حلول ويظل متشبثا بها لأهداف ومصالح خاصة وبأفق محدود.
ثورة ديسمبر كانت ولا زالت تعمل على الخروج عن الدائرة الشريرة لصراعات السلطة والثروة والتأسيس لقواعد دولة وتلك هي الأولوية التي يترتب عنها ترسيخ معاني المواطنة والعدل والحرية وبالتأكيد السلام المستدام وما يتبع ذلك على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. الصراع كبير ويتعدد فيه الفاعلون من الداخل والخارج كل حسب أجندته ولكن يبقى طريق الثورة واضحا مثلما هو قاسي.