عادت الجماهير لتفرض ارادتها على العصابة الحاكمة ، وتتخطى حواجزها الامنية وتصل الى القصر الجمهوري . وللحدث دلالة كبيرة ، تؤكد ان الجماهير قادرة على فرض ارادتها متى ارادت ذلك ، وانها مهما تطورت آليات القمع واستماتت العصابة الحاكمة وقواتها في تعميم حالة القمع المفرط ، ارادتها اعلى من إرادة سلطة الراسمال الطفيلي وفوق كل ما تمتلكه هذه السلطة من سلاح . وهو يؤكد ان التقليل من ارادة الجماهير وقدرتها على الفعل والبحث عن هذه القدرة لدى من يحملالسلاح ، لا يعدو كونه حالة من قصر النظر المزمن تنتاب بعض ممن لا يملكون القدرة على فهم ما يستطيعه الحراك المنظم من فعل . كذلك يعلي من شأن وصول الجماهير الى القصر الجمهوري ودلالته الرمزية، انه واكب تقدم الحركة الجماهيرية في جبهة وحدتها السياسية ، بإعلان لجان مقاومة الخرطوم ميثاق تاسيس سلطة الشعب ، وهو يشكل اضافة نوعية لوثيقة لجان مقاومة مدني ، تكمل وتضيف وتسمحبالتلاقي على اسس واضحة تؤسس لتغيير مستدام ، قوامه مدنية تكرس سلطة الشعب . ففرض ارادة الحراك في الميدان وانتصاره على قوات الانقلاب الامنية ، يؤكد انكشاف الانقلاب امنيا وعدم قدرته على حماية رمز سلطته ، واعلان بيان لجان المقاومة لتأسيس سلطة الشعب كسلطة بديلة لسلطة الانقلابيين ، يعني هزيمة العصابة الحاكمة سياسيا وتأكيد موتها السريري في هذه الجبهة . فالمعلوم هو ان الانقلابيين بالرغم من تنفيذهم في أرض الواقع لبرنامج الراسمال الطفيلي عبرحماية مكتسبات التمكين وتعظيم حجم الجبايات وتحويل العلاج لنشاط تجاري وزيادة رسوم الخدمات ، إلا انهم مازالوا غير قادرين على الإعلان عن برنامجهم الذي ينفذونه كمشروع سياسي، ومازالوا يدعون ان انقلابهم هو مجرد تصحيح لمسار الديمقراطية . وذلك لأنهم يعلمون بأن برنامجهم هزم منذ انكشاف نظام الانقاذ سياسيا ، كما أنهم على يقين من ان مشروع الشعب السوداني مشروع نقيض لمشروعهم . ولكن هزيمة المشروع الكاملة ، لا تتم سوى بإنتاج المشروع البديل لتصعد سلطتهالبديلة وتمسك بزمام الامور . لذلك ميثاق تاسيس سلطة الشعب خطوة مهمة جدا ، تسمح بتكامله مع المجهودات الأخرى بعد المناقشة والتنقيح ، لإنتاج مشروع بديل يكون بمثابة مقدمة لسلطة شعب ، اكدت جماهيره علو كعبها وقدرتها على فرض ارادتها على الرمم .والهزيمة والانكشاف الامني لسلطة الانقلاب ، لم يمنعها من مواصلة ارتكاب الجرائم وقتل المتظاهرين السلميين خارج نطاق القانون ، حيث ارتقى شهيد بأمدرمان ، وواصلت كذلك عنفها غير المبرر في شارع القصر عبر إطلاق القنابل الصوتية بكثافة ، وهذا يكذب الشائعات التي تحاول ان تصور انتصار الجماهير على انه مجرد تنازل من السلطة الانقلابية، يعكس صراعا بين الجنجويد والقيادة المفروضة على القوات المسلحة. والحقيقة هي أن عناصر اللجنة الامنية ، التناقض بينهم ثانوي ، ومشغليهم الاقليميين لن يسمحوا بتطور الصراع بينهمليصبح تناحري في هذه الفترة الحرجة ، لكن ربما يتخلون عن احدهما لاحقاً. ما يتم الآن من سحب حراسات الجنجويد ، هو مجرد تمويه للإيهام بعمق الخلاف ليس الا ، وجعل الناس في حالة انتظار وترقب لحل من داخل اللجنة الامنية بدلا من مواصلة النضال .والانقلابيون انفسهم يعلمون تماما ان قوتهم لها حدود ، وأن اثر استمرار الاستعداد وسط الاجهزة الامنية وتواتر القمع في مواجهة حراك صامد ومستمر ، هو انهيار حتمي لمعنويات هذه الاجهزة و هزيمتها بالتبعية . وهم يعلمون انهم في اطار عملية عض الاصابع الماثلة سيصرخون أولاً ، خصوصاً وان الحراك ينحو نحو مزيد من التنظيم واجتراح الحلول وتنويع الادوات ، والكل يعلم أن انتصار حراك الجماهير مسألة وقت.