وعن رموز المدينة وسوقهاومعالمها.وكنا ندرك تماما الموقع الفريد لهذه المدينة ، من خلال الأطالس الجغرافية القديمة – والتي ما عادت موجودة في مدارسنا اليوم-وكنا على دراية تامة بهذا الموقع الساحر في منحنى النيل خاصة,ونحن في طريقنا، من الجزيرة مقرات إلى أبي حمد بالبنطون، وكنا نرسم في مخيلتنا أبعاد وزوايا منحنى النيل بجماله الرائع ومناظره البديعة الخلابة، وهو يحتضن هذه المدينة التاريخية العريقة، حاضرة الرباطاب.ومن هنا يبدأ وصف مدينة “أبو حمد” لحظة الخروج من بنطون ( معدية “أبو حمد” مقرات)، فنترك البنطون والنيل من خلفنا، ونمضي في طريق عريض، لتواجهنا الاستراحة، هذا المبنى التاريخي بعمارته البديعة – على طراز فن العمارة الإسلامية التركية و على نفس الطراز مبنى الجامع الكبير و المركز بأبي حمد – ، والذي تشرف عليه محافظة “أبو حمد”، وهو أول مبنى أنيق يقابلك قبل دخول مدينة “أبو حمد” من الناحية الجنوبية.لم يكن السوق كبيرا كما هو الحال اليوم بعد أن تمددت المدينة عمرانا وسكانا ، ولكنه في غاية الدقة والتنظيم والنظافة، ولصغر السوق في ذلك الوقت يمكن مشاهدته بمتاجره وساحاته، ويمكن رصد حركته من إطلالة من رصيف محطة السكة حديد أعلى نقطة في مركز المدينة، ومن هذا الرصيف يتم النزول إلى باحة السوق، عبر درج ينتهي بساحة كبيرة تظللها أشجار النيم التي تشتهر بها مدينة “أبو حمد”، ومن هذه الساحة يبدأ السوق بصانعي الشاي والزلابية والقهوة وبعض الأكلات الخفيفة ، ومن أشهرهم العم ود نعمان والخالة الرسالة – العم ود نعمان من ظرفاء مدينة “أبوحمد” بدار الرباطاب و صاحب القول المشهور و السائد في الرباطاب ” دا شنو الجابتو لينا كريمة ” و بلطفه و ظرفه كان قد قال هذه العبارة لأحد أبناء الرباطاب ” صلاح زياد” عندما قدم لمدينة ” أبو حمد ” زائرا لأول مرة بقطار كريمة و حاول التعرف على بعض الأماكن بمدينة “أبوحمد” فاستعان بالعم ود نعمان الذي كان مشغولا عنه بخدمة الزبائن و عندما ألح في السؤال أطلق العم ود نعمان هذه العبارة قائلا : ” خالتي الرسالة دا شنو الجابتو لينا كريمة” ، فصارت على كل لسان في دار الرباطاب ، فهي أقرب إلى الحكمة و المثل في دار الرباطاب وتقال للشخص الغريب أو الشخص الذي يشغل الناس عن أعمالهم، أو الشخص الذي يدخل في موضوع أو في الناس مباشرة بدون سابق معرفة – .ثم يواجهك في أقصى الشمال مخزن السكة حديد، وبالقرب من هذا المكان وفي نفس الساحة يعرض القادمون من مقرات وبعض مناطق “أبو حمد” منتوجاتهم للبيع وخاصة الرطب ود خطيب وود لقاي، ثم كانوا يتفنون في عرض منتوجاتهم من السعفيات بأشكالها البديعة، والتي تجعل من سوق “أبو حمد” لوحة تشكيلية جميلة الصور والألوان.و في جانب آخر من السوق تواجهك مكتبة ربيع سند الثقافية، وكنا من المشتركين في عدد من المجلات الراتبة، ومنها: مجلة المصور المصرية، مجلة آخر ساعة المصرية،و مجلة صباح الخير المصرية، و مجلة الموعد اللبنانية، ومجلة الكواكب المصرية ، ومجلة العربي الكويتية ، ويلاحظ في تلك الفترة انتشار ورواج الثقافة المصرية واللبنانية على حساب الثقافة السودانية. ومن أهم الإصدارات الثقافية السودانية آنذاك مجلة الإذاعة و التليفزيون و مجلة الصبيان و صحف الأيام و الصحافة و الرأي العام. و صحيفة نادي المريخ الزعيم السوداني أول صحيفة رياضية سودانية صدرت في منتصف الستينيات.
و كان يوجد قريبا من هذه المكتبة العامرة استديو صغير للتصوير الفوتوغرافي ( تصوير أبيض و أسود فقط) و ربما كان لربيع سند أيضا، و كانت ترسل الأفلام أسبوعيا للتحميض في استديو الرشيد في عطبرة بالسودان.
وفي الجزء الشمالي من ساحة السوق، توجد استراحة صغيرة، وبها مكان للصلاة، وتذكرني هذه الاستراحة بالمقاهي والاستراحات الموجودة في اليمن ( تقليد عربي أصيل)، وخاصة على امتداد الطريق من لواء ذمار إلى مركز الدن قريبا من الحديدة، إلا أن هذه الاستراحات كانت تستخدم كلكواندات بأسعار معروفة للمبيت، وكان أكثر ما يضايقنا فيها – كمعلمين متعاقدين في وزارة التربية و التعليم باليمن الشقيق آنذاك – دخان الشيشة و القات، بينما هذه الاستراحة الموجودة في سوق “أبو حمد” قد خلت تماما من مثل هذه الأشياء، وهي أيضا كانت متاحة لمبيت الذين يعبرون مدينة “أبو حمد” وبالمجان، أو الذين ينتظرون قطارات السكة حديد، كريمة والاكسبريس، وكانت هذه الاستراحة تحت إشراف مجلس “أبو حمد” المحلي.وعلى هذا النحو كانت تبدو مدينة “أبو حمد” في تلك الفترة وحتى عام 1970م:مشرع البنطون، الاستراحة، القلعة، قطاطي السكة حديد،محطة السكة حديد، نادي السكة حديد، منطقة السوق، المركز، الجامع الكبير، مدرسة “أبو حمد” الأولية، الطاحونة، مستشفى “أبو حمد”، حوش البنزين، مدرسة “أبو حمد” الوسطى بنين، مدارس البنات الأولية والوسطى،العشش، جسر السكة حديد، القوز، السليم ، أم عجيجة،ميدان مدرسة “أبو حمد” الوسطى، ميدان السكة حديد، ثم الجزيرة بربات.
ومن أشهر التجار في عام 1970م بأبي حمد، أبو مرين وسيد سليمان، وآل سند،وآل عرزون ، والحراولة، وآل أبو علامة، والماحي الكامل، وأبو كريمه، ومصطفى شريك، وأل حسين شاذلي وعلي،و آل صديق، وآل الفضل، وآل عبد الله فضل المولى، وآل حسن عثمان،وأبناء ابراهيم محمود عز الدين وعثمان، وآل الفقير أحمد و علي، و ختم الفقير ، وحامد أحمد محمد، والزاكي، ومحمود سليمان الريس أشهر صاحب مطعم في مدينة “أبو حمد”، وعمر عباس وود المدني من أشهر الترزية في المدينة، وبسطاوي عثمان والسر من أشهر الحلاقين في المدينة، وقنديل أشهر خضرجي في المدينة، وخلف إسماعيل من أشهر الجزارين في المدينة، وهذا على سبيل المثال.
و في مجال الزراعة فكان من أوائل و أهم المشاريع الزراعية الأهلية في منطقة الرباطاب بالسودان ” مشروع بابكر الأحمر” بأبي حمد.
و في مجال الصناعة فيعتبر “مصنع العجوة” بأبي حمد لأصحابه عباس أبو مرين و سيد سليمان، هو المصنع الأول و الرائد لصناعة التمور بالسودان آنذاك.
و أما حديثا فقد نهضت مدينة أبوحمد اقتصاديا، و تعد اليوم أهم مركز لتعدين الذهب في السودان، و خطت خطوات متقدمة و واثقة؛ لتكون من المدن الحديثة في السودان؛ حتى تعيد سيرتها الأولى حاضرة الرباطاب.
وكان من أشهر الشيوخ في مدينة “أبو حمد” الشيخ المبارك بابكر إمام وخطيب الجامع الكبير، والشيخ الطيب بابكر مؤذن الجامع الكبير وشيخ الخلوة.
و من أِشهر الموظفين في مدينة “أبو حمد “حتى عام 1970م، عبد العظيم المهدي ( عظيم) ضابط الصحة، وهو حكم كرة ممتاز. ومحمد النجومي الصادق الموظف المسؤول عن البساتين في أبي حمد، وعلي القاضي في الكبانية، وعوض طه دمغة في البريد، وعثمان العوض المفتش الزراعي في مجلس “أبو حمد”، ودكتور جمال عبد الرحمن الطبيب ومدير مستشفى “أبو حمد”، والأستاذ هاشم المبارك فالأستاذ محمد عبد الله فضل المولى خلفه مديرا لمدرسة “أبو حمد” الأولية بنين، والأستاذ محمد بابكر رخيص مدير مدرسة “أبو حمد” الوسطى، وخلفه الأستاذ عوض الكريم أحمد الحاج مديرا لمدرسة “أبو حمد” الوسطى، وهذا على سبيل المثال فقط.ومن أهم الفرق الرياضية في مدينة “أبو حمد” في عام 1970م، فريقان فقط، هما نادي السكة حديد، والنادي الأهلي، ثم تكون فيما بعد فريق القوز، وكان من أشهر حراس المرمي في المدينة كمال خالد وعبد الواحد، وبالرغم من أن فريق مدرسة “أبو حمد “الوسطى كان من أقوى الفرق في المدينة، إلا أنه كان غير مسموح لمنتخب المدرسة بالمشاركة في أي نشاط رياضي بالمدينة إلا في المناسبات العامة والوطنية وبموافقة إدارة المدرسة ؛ وذلك حفاظا على سلامة الطلاب من إصابات الملاعب، وكانت مدرسة “أبوحمد” الوسطى تنظم دوريا قويا في أنشطة كرة القدم، والكرة الطائرة ، وكرة السلة على مستوى الداخليات الثلاث، وكانت داخلية المهدي هي الأوفر حظا في حصد جميع كؤوس المدرسة وفي كل الأنشطة وفي جميع المناسبات، مما حدا بأساتذة المدرسة إلى عمل توازن في الأنشطة الرياضية وذلك بتوزيع الرياضيين من داخلية المهدي بالتساوي على داخليتي عنجة ودقنة لتدخلا في دائرة التنافس الرياضي فيما بينها وداخلية المهدي – و كان لنا شرف الإنتماء و اللعب لداخلية المهدي ثم انتقلنا إلى داخلية دقنة -.ولم تكن أحياء مدينة “أبو حمد” كثيرة العدد حتى عام 1970م ومنها:القلعة ، السكة حديد، السوق، القوز، السليم، أم عجيجة، القوزشرق، ثم الجزيرة بربات.وأما مجتمع “أبو حمد” فهو من المجتمعات المتجانسة، ويعتبر من المجتمعات الراقية و المترابطة والمتآلفة في نفس الوقت، ويندر أن تجد مجتمعا بهذه الخصوصية، ما عدا مجتمع “أبو حمد”. وكان شيخ مدينة “أبو حمد” هو الشيخ خالد ادريس.و عن مكونات مجتمع “أبوحمد”، فهو نسيج قبائل وأجناس مختلفة من داخل و خارج السودان فمنهم: الرباطاب، والمناصير، والفادنية، و الجعليين، والعبابدة، والحلفاويين، والمحس، والدناقلة، والشايقية، والفلاتة، والبشاريين، والهدندوة، وبعض أبناء وسط و شرق و غرب و شمال و جنوب السودان – حاليا دولة جنوب السودان – في فترات لاحقة من تاريخ المدينة، وغيرهم من قبائل السودان المختلفة، و من العاملين في شركات التعدين من جنسيات متعددة حول العالم، و من بعض الوافدين حديثا إلى مناطق التعدين بمنطقة الرباطاب بمحافظة أبو حمد بولاية نهر النيل بالإقليم الشمالي بالسودان من دول الجوار الإفريقية و العربية …